لم يكد الليبيون يلتمسون الفوائد التي حققتها القوات المسلّحة بسيطرته على موانئ تصدير النفط، ثم بسط الأمن ومكافحة الإرهاب في بنغازي ودرنة ، حتى دخلت منظمة العفو الدولية «أمنيستي» على خط الأحداث بتقرير مثير عن أوضاع المحتجزين في منطقة قنفودة، الأمر الذي دعا القيادة العامة للقوات المسلّحة لإصدار رد تفصيلي، عرضت فيه جملة حقائق قالت إنها غابت عن هذا التقرير المغلوط حسب وصف القيادة.
ويعود تاريخ نشر تقرير منظمة العفو الدولية إلى 11 يوليو الماضي، ولا يعرف سبب تكثيف الضوء عليه خلال الأيام الماضية التي شهدت تطورات لافتة على أرض الواقع لاسيما في مدينة بنغازي، سواء على صعيد فرض الأمن أو ملاحقة التنظيمات المتطرفة التي اتهمها بيان الجيش بـ«أسر المدنيين واستخدامهم كدروع بشرية في قنفودة».
وتضمن بيان الجيش انتقادات حادة للمنظمة الحقوقية التي تتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقرا لها، مشيرا إلى أنها اعتمدت على «معلومات مغلوطة أحادية المصدر»، وأنها لم تهتم لا «بالأعمال الإنسانية التي تقوم بها القوات المسلحة لخدمة النازحين منذ نحو 30 شهرا»، ولا بحقيقة أن «الجماعات الإرهابية المحاصرة في قنفودة اتخذت من العائلات والعمالة الأجنبية والأسرى لديها دروعا بشرية».
وإتهم البيان القائمين على التقرير إما بـ«عدم فهم الوضع في ليبيا» أو« دعم الإرهاب الذي تمارسه هذه الجماعات من اغتيالات وخطف وابتزاز والسيطرة على مؤسسات الدولة، وإعلان الحرب على الشرعية المتمثلة في مجلس النواب والحكومة الموقتة والقيادة العامة للجيش والأجهزة الشرطية والأمنية».
ويعزّز اعتراف المنظمة في مقدمة تقريرها بأنها تحصلت على شهادات المحاصرين في قنفودة من خلال شريط فيديو أنتجه «مجلس شورى ثوار بنغازي»، الذي عرفته بأنه «ائتلاف يضم ميليشيات وجماعات مسلحة، منها جماعة (أنصار الشريعة)»، ما جاء ببيان الجيش، الذي وجه اتهاما مباشرا لهذه الجماعات بالمسؤولية عما يتعرض له المحتجزون، مشيرا إلى محاولات عديدة بذلت من جانبه لتحريرهم لكن دون جدوى، وحسب منظمة العفو، فإن الفيديو يظهر ثلاثة رجال بين نحو 130 شخصا كانت جماعة «أنصار الشريعة» المسلحة قد اختطفتهم من سجن عسكري في بنغازي في أكتوبر 2014، مشيرا إلى أن «أولئك الرجال يظهرون وهم يدعون إلى وضع حد للضربات الجوية التي يقولون عنها إنها تسببت بإصابة العديد من الأشخاص بجروح، وإنها تعرض أرواح الناس للخطر».
وأشار تقرير المنظمة أيضا إلى أن مئات من الرعايا الأجانب، بمن فيهم العمال المهاجرون من السودان وتشاد وبنغلاديش محاصرون في قنفودة، ناقلة عن وسائل إعلام أن خمسة على الأقل من المواطنين السودانيين قتلوا في غارة جوية في منتصف آب/ أغسطس الفائت.
ولفتت القوات المسلحة إلى وجود «مئات العمليات الانتحارية التي تقوم بها الجماعات المتطرفة ضد الجيش والشرطة، وزرع آلاف الألغام والمفخخات في مناطق القتال، واستهداف المستشفيات وسيارات الإسعاف والطواقم الطبية والتهجير القسري للسكان».
وذكرت قيادة الجيش أنها أعطت فرصا عديدة لإخراج العائلات العالقة والعمالة الأجنبية، «ولكنهم منعوا من الخروج رغم النداءات المتكررة لخروجهم». وواصلت: «أوقفت العمليات العسكرية 48 ساعة وتم رمي منشورات بواسطة الطائرات العمودية ولكنهم لم يستجيبوا لذلك، ولم يستفيدوا من فرصة إخلاء كاملة اشتملت على التأمين الطبي والأمني والاجتماعي وأعدت مقار للإقامة الموقتة حتى يتم تأمين إقامة دائمة حسب رغباتهم».
كما تابع البيان: «تم تشكيل لجنة محلية تضم شخصيات حقوقية وقانونية على رأسها عميد بلدية بنغازي، العميد أحمد العريبي، وما زالت تتواصل مع القيادة العامة والجهات ذات العلاقة، ولكنها تعمل ببطء شديد لتعنت التنظيمات الإرهابية».
واستنكرت قيادة الجيش الوطني عدم إشارة تقرير العفو الدولية إلى «الأسر والعمالة العالقة بمنطقة الاشتباكات في قنفودة، وكذلك الأسرى الذين تحتجزهم التنظيمات الإرهابية سواء من مناصري القوات المسلحة أو من عسكريين ومدنيين عملوا مع النظام السابق».
وأبدت قيادة الجيش كذلك تعجبها من «ازدواجية المعايير المتبعة من منظمات حقوق الإنسان الدولية»، «إذ إنها لم تطالب يوما التحالف الدولي الذي تقوده أميركا بوقف إطلاق النار وفتح ممرات آمنة للمدنيين في سورية والعراق»، مؤكدة أنها تسعى إلى إنقاذ جميع العالقين بمنطقة الاشتباكات شريطة خروجهم عبر ممر آمن يجدد من قبل القيادة وذلك لمنع هروب الإرهابيين.
وأخيرا، طالب البيان بالكشف عن مصير الأسرى والمخطوفين والمحتجزين لدى الجماعات الإرهابية، وقال: «بحكم أن العفو الدولية تتواصل مع هذه الجماعات فنطالبها بالكشف عن مصير هؤلاء»، وكانت الحكومة الموقتة ردت في وقت سابق على تقرير منظمة العفو، وقالت إنه تضمن «مغالطات كبيرة تتنافى مع الواقع».
وإستغربت هيئة الإعلام الخارجي بالحكومة الموقتة ما جاء بالتقرير بخصوص العائلات والمدنيين العالقين في منطقة قنفودة وتعرضهم لخطر الموت من الجوع والمرض والقتال»، مشيرة إلى أن القوات المسلحة «لم تتوقف عن توجيه النداءات المتكررة للعالقين بالخروج من مناطق القتال وتعهدت بتقديم ممر آمن»، منوهة بأن القوات المسلحة وجهت نداء أيضا للجهات ذات العلاقة بهذا الأمر مثل الصليب الأحمر والهلال الأحمر للقيام بواجبهم الإنساني».